النحات الايطالي جوزيف بنكّلوني يستنطق ما لا يطاوع الأنامل
صفحة 1 من اصل 1
النحات الايطالي جوزيف بنكّلوني يستنطق ما لا يطاوع الأنامل
صراخ الحديد الصامت قاصر عن ادراك المعنى
عدل سابقا من قبل kouka في السبت أغسطس 30, 2008 11:20 pm عدل 2 مرات
kouka- عدد الرسائل : 84
العمر : 37
السٌّمعَة : 2
نقاط : 64
تاريخ التسجيل : 09/10/2007
رد: النحات الايطالي جوزيف بنكّلوني يستنطق ما لا يطاوع الأنامل
حين يتكلم الفنان عن أعماله قد يكون قاصرا عن إدراك المعنى، هذا ما
يقوله الفنان الايطالي جوزيف بنكّلوني المولود في ايطاليا عام 1935والذي
يعيش ويعمل الآن في محترفه في مدينة بارما الايطالية، فهو يريد أن يكون
العمل بحد ذاته قادر على عكس أفكاره، فهو يحلم ويحاول أن ينقل للآخرين هذا
الحلم عبر منحوتاته الحديدية. فهو يقول (إن من السهل أن نرسم منحنيات أو
خطوط متوازية ولكن من الصعب أن تعطي التعبير المراد). فالفنان يعمل من أجل
إقامة منهجية جديدة لمهنة الحدادة متجاوزا كل التقاليد القديمة في بحثه عن
جمالية فنية تعتمد التوازن بين تكريس الدلالات البصرية وتثوير الحس
الدرامي من أجل تغيير نمط السائد في النحت.
فالحديد بحد ذاته مادة صلبة توحي بثقل الفكرة. والحديد من المعادن التي لا
تمنح نفسها بسهولة إلا بقوة النار والإرادة ، لكنها لدى الفنان مادة طيعه
بشكل مبسط حتى تصل حد السهل الممتنع. إن الحديد من الخامات النحتية التي
لم تستغل بشكل واسع لحد الآن رغم قدرتها التعبيرية العالية والتي تبرز بعد
طرقه ليعرف بالحديد المطاوع أو المطروق، ليتم تشكيلة بواسطة اللحام للوصول
إلى أشكال لها طابع الخيال. فالفنان عندما وجد نفسه عاجزا عن التعبير حمل
إزميله وراح يطرق الحديد على سندانه صارخا بعنف وهو يحاول البحث عن أجوبة
لأسئلة تحاصره وتحاصر النار المستعرة التي تذيب الحديد. فالعمل الفني
ينبغي أن يكون قادرا على نقل العواطف والمشاعر دون الحاجة لأي واسطة اخرى،
لأنه قادر بذاته على كشف الملغز من إشكاليات الحياة بكل معانيها. إن
الفنان يحاول النفوذ لمدارات ترجع به إلى إمكانية تدوير مفهوم تقنيات
المواد الرائجة في الحياة اليومية، مضيفاً لها قدرة تعبيرية قادرة على
تجاوز الفكرة الأساسية وتحويله إلى موضوع جديد، تلك القدرة اذن هي التي
تخلق شرط الاصالة. إنه يقوم باستخراج الخالد من العابر وليس ذلك الاستنباط
المنظم للسياق الاسلوبي للتقنية المستخدمة هو التقدير السليم لإعادة
استعمال التصورات القديمة عبر أساليب تنتمي الى الحداثة، وتلك مهمة
الخيال. فالعمل الفني يكتسب قيمته من خلال اقتراح رؤية جديدة للعالم، وهذا
العالم هو نتاج فكر إنساني جمالي، لذا فهو يعتمد على تحويل الواقع انطلاقا
من رؤية حلمية مغايرة، وكما يقول بول كلي “أرسم في انتظار وقوع شيء ما”
فمنحوتاته عبارة عن استيهامات وتهجينات شكلية تتعامل منظوريا مع المتخيل
متجاوزةً مادية الواقع وتأثيراته الحسية. فالعمل لديه ليس للتلذذ البصري
فحسب، إنه يستدعي بصيرة تحليلية تؤدي لتوالد الدلالات في تساع لغة
المغايرة الإستعارية ولتوطين الشكل التجسيمي في تعاطي سكوني كامن، إنها
مركبة بشكل دلالي يعتمد على تسخير بنيوية الشكل كمرادف لنص بصري. إن اعمال
الفنان لا تقع تحت أعمال المصادفة الفنية التي تعطيها طبيعة المادة بل هي
جهد ومثابرة شجاعة.
إن
الفنان يحاول تبسيط هندسة المنحوتات للتعبيرعن فكره الجمالي فالواقع لديه
مزدوجا بين واقع ذاتي وواقع فني، متجاوزا وضعية الشكل الكلاسكي إلى الشكل
الجوهري في اعتماده على الواقع المحوّر، لذا نراه يحول شكل (المسمار) من
وظيفته اليومية إلى مصدر إيحائي مستفز، مستفيدا من مسترجعات الذاكرة
الحسية للمشاهد، كذلك يفعل مع (خالعة المسامير) ليحولها إلى مخلوقات
إنسانية محتجا على استلابها الإنساني، فالرؤوس المدببة تستفز الذاكرة
الرمزية المتعددة المعاني فيخلق توافقا ما بين الذاكرة والمتلقي المنظور
للرمز، كما يأخذنا شكل (الكرسي والسكين والمسمار والمقص والدراجة الهوائية
والمنضدة) وغيرها من الأشكال المألوفة واليومية وخاصة الأدوات التي
يستخدمها في الحدادة. إنه لا يذهب بعيدا بل يقترب إلى أقرب ادواته ليأخذها
إلى مركز اهتمامنا فيقدمها لنا بمفهوم جديد. إن النحت عند الفنان جوزيف
بنكّلوني يتبنى مفهوم الوقاحة المفاهيمية للقوة لهذه المفردات عبر عناء
لفكرة المدهش. انها الجرأة الشاعرية في طرح المفاهيم، فالفنان يحول فكرة
ما لم تكن خاصة، لكنها تصبح كذلك بحكم التغيرات التي تطرأ عليها. فالعمل
الفني يصوغ معنى آخر عندما يكتمل، إنه نتاج فكر الفنان وجهده واجتهاده في
تحويل العابر والمألوف إلى عمل مغاير وخالد، فالعنصر العابر غير الثابت لا
تكترث فيه التحولات، إن قوة منحوتاته في قوة وضوحها وتأثيرها بشكل مباشر
في نفس المتلقي، إن تجربته في تحميل سطح الشكل إضافات أخرى كالألوان أو
استخدامه للزجاج مما يصعد قدرة العمل التعبيرية مثلما جعلته يتحلل من سطوة
الوظيفة الإستعمالية والتزيينية للمنحوتات، وهما الصفتان الملازمتان لهذا
الفن مذ أنتج الإنسان الأول أولى منحوتاته، فأعماله انحلال روحي داخل
تراكيب الحديد حيث الرمز يبدو كما لو إنه اختلس المعنى لتكون تفتحا رائعا
بين المرئي بدلالته البصرية واللامرئي بدلالته الفنية في بناء تعبيري
دراماتيكي. إن الجمال وكما يرى أدورنو “في ترابط ووعي ما يحدث بطريقة
متماسكة وغامضة في الاعمال الفنية”.
إن
الفنان هنا يصرخ بحده ضد الفساد المتوحش للواقع المعاش مفترضا أن الرموز
تعكس المجتمع الذي تمثله، فالرمز يتأسس على أهمية دوره الاجتماعي للمجتمع
وفي نسيج الحياة، إنه يحاول إيجاد معنى لدور ووجود الفنان، فالهدف من
إعادة التصورات المسبقة هو إيجاد معنى اخر، أو حلم اخر قابل للتفسير.
محسن الذهبي
كاتب عراقي مقيم في بريطانيا
يقوله الفنان الايطالي جوزيف بنكّلوني المولود في ايطاليا عام 1935والذي
يعيش ويعمل الآن في محترفه في مدينة بارما الايطالية، فهو يريد أن يكون
العمل بحد ذاته قادر على عكس أفكاره، فهو يحلم ويحاول أن ينقل للآخرين هذا
الحلم عبر منحوتاته الحديدية. فهو يقول (إن من السهل أن نرسم منحنيات أو
خطوط متوازية ولكن من الصعب أن تعطي التعبير المراد). فالفنان يعمل من أجل
إقامة منهجية جديدة لمهنة الحدادة متجاوزا كل التقاليد القديمة في بحثه عن
جمالية فنية تعتمد التوازن بين تكريس الدلالات البصرية وتثوير الحس
الدرامي من أجل تغيير نمط السائد في النحت.
فالحديد بحد ذاته مادة صلبة توحي بثقل الفكرة. والحديد من المعادن التي لا
تمنح نفسها بسهولة إلا بقوة النار والإرادة ، لكنها لدى الفنان مادة طيعه
بشكل مبسط حتى تصل حد السهل الممتنع. إن الحديد من الخامات النحتية التي
لم تستغل بشكل واسع لحد الآن رغم قدرتها التعبيرية العالية والتي تبرز بعد
طرقه ليعرف بالحديد المطاوع أو المطروق، ليتم تشكيلة بواسطة اللحام للوصول
إلى أشكال لها طابع الخيال. فالفنان عندما وجد نفسه عاجزا عن التعبير حمل
إزميله وراح يطرق الحديد على سندانه صارخا بعنف وهو يحاول البحث عن أجوبة
لأسئلة تحاصره وتحاصر النار المستعرة التي تذيب الحديد. فالعمل الفني
ينبغي أن يكون قادرا على نقل العواطف والمشاعر دون الحاجة لأي واسطة اخرى،
لأنه قادر بذاته على كشف الملغز من إشكاليات الحياة بكل معانيها. إن
الفنان يحاول النفوذ لمدارات ترجع به إلى إمكانية تدوير مفهوم تقنيات
المواد الرائجة في الحياة اليومية، مضيفاً لها قدرة تعبيرية قادرة على
تجاوز الفكرة الأساسية وتحويله إلى موضوع جديد، تلك القدرة اذن هي التي
تخلق شرط الاصالة. إنه يقوم باستخراج الخالد من العابر وليس ذلك الاستنباط
المنظم للسياق الاسلوبي للتقنية المستخدمة هو التقدير السليم لإعادة
استعمال التصورات القديمة عبر أساليب تنتمي الى الحداثة، وتلك مهمة
الخيال. فالعمل الفني يكتسب قيمته من خلال اقتراح رؤية جديدة للعالم، وهذا
العالم هو نتاج فكر إنساني جمالي، لذا فهو يعتمد على تحويل الواقع انطلاقا
من رؤية حلمية مغايرة، وكما يقول بول كلي “أرسم في انتظار وقوع شيء ما”
فمنحوتاته عبارة عن استيهامات وتهجينات شكلية تتعامل منظوريا مع المتخيل
متجاوزةً مادية الواقع وتأثيراته الحسية. فالعمل لديه ليس للتلذذ البصري
فحسب، إنه يستدعي بصيرة تحليلية تؤدي لتوالد الدلالات في تساع لغة
المغايرة الإستعارية ولتوطين الشكل التجسيمي في تعاطي سكوني كامن، إنها
مركبة بشكل دلالي يعتمد على تسخير بنيوية الشكل كمرادف لنص بصري. إن اعمال
الفنان لا تقع تحت أعمال المصادفة الفنية التي تعطيها طبيعة المادة بل هي
جهد ومثابرة شجاعة.
إن
الفنان يحاول تبسيط هندسة المنحوتات للتعبيرعن فكره الجمالي فالواقع لديه
مزدوجا بين واقع ذاتي وواقع فني، متجاوزا وضعية الشكل الكلاسكي إلى الشكل
الجوهري في اعتماده على الواقع المحوّر، لذا نراه يحول شكل (المسمار) من
وظيفته اليومية إلى مصدر إيحائي مستفز، مستفيدا من مسترجعات الذاكرة
الحسية للمشاهد، كذلك يفعل مع (خالعة المسامير) ليحولها إلى مخلوقات
إنسانية محتجا على استلابها الإنساني، فالرؤوس المدببة تستفز الذاكرة
الرمزية المتعددة المعاني فيخلق توافقا ما بين الذاكرة والمتلقي المنظور
للرمز، كما يأخذنا شكل (الكرسي والسكين والمسمار والمقص والدراجة الهوائية
والمنضدة) وغيرها من الأشكال المألوفة واليومية وخاصة الأدوات التي
يستخدمها في الحدادة. إنه لا يذهب بعيدا بل يقترب إلى أقرب ادواته ليأخذها
إلى مركز اهتمامنا فيقدمها لنا بمفهوم جديد. إن النحت عند الفنان جوزيف
بنكّلوني يتبنى مفهوم الوقاحة المفاهيمية للقوة لهذه المفردات عبر عناء
لفكرة المدهش. انها الجرأة الشاعرية في طرح المفاهيم، فالفنان يحول فكرة
ما لم تكن خاصة، لكنها تصبح كذلك بحكم التغيرات التي تطرأ عليها. فالعمل
الفني يصوغ معنى آخر عندما يكتمل، إنه نتاج فكر الفنان وجهده واجتهاده في
تحويل العابر والمألوف إلى عمل مغاير وخالد، فالعنصر العابر غير الثابت لا
تكترث فيه التحولات، إن قوة منحوتاته في قوة وضوحها وتأثيرها بشكل مباشر
في نفس المتلقي، إن تجربته في تحميل سطح الشكل إضافات أخرى كالألوان أو
استخدامه للزجاج مما يصعد قدرة العمل التعبيرية مثلما جعلته يتحلل من سطوة
الوظيفة الإستعمالية والتزيينية للمنحوتات، وهما الصفتان الملازمتان لهذا
الفن مذ أنتج الإنسان الأول أولى منحوتاته، فأعماله انحلال روحي داخل
تراكيب الحديد حيث الرمز يبدو كما لو إنه اختلس المعنى لتكون تفتحا رائعا
بين المرئي بدلالته البصرية واللامرئي بدلالته الفنية في بناء تعبيري
دراماتيكي. إن الجمال وكما يرى أدورنو “في ترابط ووعي ما يحدث بطريقة
متماسكة وغامضة في الاعمال الفنية”.
إن
الفنان هنا يصرخ بحده ضد الفساد المتوحش للواقع المعاش مفترضا أن الرموز
تعكس المجتمع الذي تمثله، فالرمز يتأسس على أهمية دوره الاجتماعي للمجتمع
وفي نسيج الحياة، إنه يحاول إيجاد معنى لدور ووجود الفنان، فالهدف من
إعادة التصورات المسبقة هو إيجاد معنى اخر، أو حلم اخر قابل للتفسير.
محسن الذهبي
كاتب عراقي مقيم في بريطانيا
kouka- عدد الرسائل : 84
العمر : 37
السٌّمعَة : 2
نقاط : 64
تاريخ التسجيل : 09/10/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى