مواضيع مماثلة
الحب عند البربر - حسين القهواجي
صفحة 1 من اصل 1
22082009
الحب عند البربر - حسين القهواجي
الحب عند البربر
حسين القهواجي
I
البربر من عهد الملك جالوت، قافلة تنشد العيش الخصيب و تطوي السباسب طلبا
للغيوم الممطرة، ليست لهم مدائن يسكنونها و لا صوامع يتحصنون بها غير
الجبال و الكثبان و أطراف البلاد. و ربما أسرجوا شمعة كبيرة من شهد مدعوك
بعنبر، و أقاموا تشبها بالعرب، بيتا ينضح في أرجائه الند و العود الهندي
والقماري يلامس بأدخنة نفحاته وجه ربة الإحسان و السعادة – تامفيت -
TAMPHIT.
صنما من طينة مملوءة الساقين وافرة الأرداف، تتعهد البربرية بين يديها أن
لا تأتي حليلها بولد من غيره، وتتوسلها الحامل كيلا تضع مولودها منكسا
تخرج رجلاه قبل رأسه فيشقى .
إذا احتبس عنهم الغيث راحوا يدقون الطبول وإذا غمرهم الفيض هبوا يقرعون
المهاريس في البرية و كلما عزموا على الحرب تقدموا إليها بذبح أرخى سوداء.
عهدا بعد عهد صاروا يقسمون لها سهما من الأنعام و يمدونها بمكاييل من صابة
الحرث و ربما جعلوها دمية للتسلي محمولة على هودج ناقة في حفل إملاك أو
نكاح تزينه بنات رقاق القوام هدباوات الأشفار تقفز الواحدة منهن وتثب ثلاث
أفراس مصفوفة. وأما سيد الساحة فهو سائس شاب (سيغدو بهلوان سرك روماني و
مصارع وحوش يناوشها بالرماح) تراه يخب و يعدو و يمسك بذنب الفرس النفور
فلا تدق سنبك حافر، و إن هي إلا ألعاب يقاسمون بها أشجان العشيرة:
قال ابن شبرمة البربري في رسالة الحسن الفائق و الجمال الرائق:
ما رأيت رداء على رجل أفخم من سماحة و لا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم.
فجاوبته ربابة العرب تماضر:
فأقــسم أنا و البرابــرة إخوة نمانا وهم جــــد كريـــــم المناصب
أبونا أبوهم قيس غيلان في الذرى وفي حرسه يسقي غليل المحارب
وهل أحسن من وصفهم للخلان المؤتلفة قلوبهم بالمراود الحافظة لمكاحيلها.
بعد اجتياز أوعرالمسالك والوقوف على مصطبة «كسرى» المتصلة بالمنحدر قد
تلاقي بين الجلاميد قروية وسط الجبل تتلون ملاءاتها بالخرز و الفضة كتلون
ريش الطاووس أبهرت سامعها بما أبدت من مواويل الترحل وهي تشمس زبيب العنب
على لحاف أبيض جانب الماجل الممتلئ بوجه مشرق صاف، فيما تتربع عجوز القوم
وهي تسوي حافة مقلى القمح وتصوغ من الصلصال مجمرة الكليل الداخن على آنية
اللبن المنكه بأطيب شميم.
يؤثر عن البربر أنهم أجروا الماء في قفار يزرعون به السنبل مرتين كل عام،
زرعوا اللوز الفريك بحبتين تفركه الإصبع من رقة قشره الأخضر.
بملتف من السدر ودغل من الفلين مدوا قناطر خشب الزان في مسالك بولاريجيا –
عين دراهم – جلبوا بلاطات الرخام من مقلع شيمتو و جعلوا حجارة الكذان
عواميد للمعابد.
في مناسجهم سعف يترشق و تعاريج لا تستقيم للعين على طريقة، دليل ترحال، من
نقطة الخط الأول للبساط المرقوم بأنامل ربات المغازل مزججات الحواجب
موشومات الزنود من أثر السهام.
بنوا أبراج الحمام الصنهاجي و أرسلوا الطير بريدا من غدامس إلى تطوان
مسيرة أيام. في صبيحات العرس يضوع من أفرانهم خبز القطاني و اليمام المحمر
يصب عليه سمن مذاب.
تناهى صداقهم في الغلو حتى أخذ الولي مهر ابنته إبلا ينحر منها واحدة لتفرق على أهل المغاور و الغرف المنقورة في الطوب .
وقد يبادرك بالقول إن شئت أزوجك ابنتي بدابة مطهمة و ديباج. هم الأمازيغ و
تعني الأحرار لا عقيدة تلجمهم من قبل هروب الأخت العذراء ديمتريا من دير
الخصيان بروما، و ارتمائها في حضن بربري أغضب القديس جيروم و عيرها أمام
الملإ (سنة 390 ميلادية تقريبا) من سيرافق زفافك غير أصوات تولول باللسان
البونيقي و تودعك سريرك بفاحشة الزغاريد!»
يشاع أنهم أخلاط من ولد كنعان و بقية مأرب ابن سبأ هاجروا من جنوب الجزيرة
نحو شطوط الشام و ساقهم إلى ديار المغرب ملك اليمن إفريقش، لإحياء منابت
النخل و غراسة الزيتون، نساؤهم على عرقين بيض مشربات بحمرة و قمحاويات
سمر. جذر لغتهم سامي وهي واحدة من لهجات العرب، يسمون الرجل آركازبمعنى
الركيزة، و تسمى المرأة تامطوث و اللفظة تدل على كائن يطمث و يحيض.
II
وللبربر رضاع غير اللبن به يتآخون و يتوارثون إذ تعمد سيدة القوم إلى مثرد
فخار فيه دقيق الشعير تلثه بالزيت الأخضر وتضعه على ثدييها قدر مضغات،
مستلقية بقميص أحمر مشقوق طرف للتقديس
وطرف للعب المباح، ومن تذوق البسيس صار واحدا من القوم .
حتى أن البنات صرن يتجردن ساعة المقيل، إلا من إكليل ورق الرند الطري،
يستر الخصر، مأخوذات بتقليد الأسلاف للهو و المتعة المتاحة مع الفتيان،
تنضح ناضجة بأدهان الورد، و سواك قشر الجوز الأخضرعلى الشفاه المتقدة.
يأخذون بمناكب بعضهم فوق مفرش صوف تزينه تمرات عرجون وياسمين بري كثير،
يغطي الجسد المطواع على صهيل حصان يملأ ساحة البهو مهابة، فتنبثق رغبة
الإحتماء من شعاع الخنجر في الحائط، بوجه الفتى البربري عليه مسحة من
ملاحة الأهداب و خشونة الطباع.
«ويعلم الراغب في هذا الشأن أي الإماء يصلحن للخدمة و أيهن للمتعة، فيختار
من كل جنس ما يوافق غرضه» للأديب المؤرخ ابن بطلان من رسالة جامعة في فنون
نافعة.
إبان سنوات الفتح كانت غنيمة المسلمين من البربر خيلا لم يروا أحسن منها،
خفاف الأجناب واسعة المناخر بقصبة أنف نحيفة و آذان قصار مع سبائب ذيل
غزير، أشرفها الأشقر المتلون و الأشهب الصبوح لا يرده اللجام عن الركض
بالفارس أردف وراءه الحبيب في مرعى الرياح المائجة.
هذا القوم الذي أسند أمره إلى امرأة حبا في السلالة وتنقية لأعراقها كان
يعمد إلى تخييط الفرس بسلك حتى لا يركبها فحل فيه عيوب يفسد نسلها كما
يندفع إلى تشريد الكسيح والأعرج و الأبتر، لأنهم يلدون أشباها مشوهين. و
لايستقر بالنجع و مضارب الخيامات إلا الأصحاء .
من المراسم التي أوردها الرحالة التيجاني صاحب تحفة العروس و نزهة النفوس،
أن من عوائد البربر الأوائل دفن المرأة في مغارة واسعة و جثمانها غير مسجى
بل هو قائم على صورة الجالسة.
نقشوا وجه ضريحها بحروف – التيفيناغ – عز البنت موصول لا ينقطع مادام والدها يتنفس متربعا.
يزفونها في ملابس مصبغات بزعفران و نيلة و كف يزينها الخضاب أو الحناء التي تطبع الإعتداد بالنفس و تطلق عقدة الخجل.
مع أنها عاطل غير متحلية بعقود و أساور حسب ذائقتهم تغطي محاسن وجهها
الريان من ماء الشباب، هوى بها الحب كالدلو في غيابة بئر موحشة القرارة، و
أسدلوا النقاب على وجناتها و كأنها تجملت لبعل يترقب.
من خلل فج ضيق ناحية تكرونة ، كنت أسائل السائق عن علامات قائمة من القصب
تمنع المسافرين السيرباتجاه ، يوصل إلى متاهة قد تنتهي بصراخ يدحرج المرء
في دهاليز من عهد قيصر و الكاهنة وحسان، أذكر أنني نزلت قرى بربرية شتى ،
وقدمت على خشبات مسارحها الحديثة تمثيليات جولة الخريف التي تدوم مدتها
السعيدة سبعة أيام، لا أرى فيها يوما إلا وهو أحب إلي من الذي قبله.
أدركتهم و رأيتهم في حقول غمراسن كيف يحفنون الدقيق و يلقونه من قبضات
أكفهم ذرورا على ظهر الثور الموصوف بالإجهاد كواحد من العشيرة .
حتى إذا ما ضاجع و اضطجع، تمرغ في النعمة مطمئنا.
و على هذا المنوال تخرج أبهى بنت حمراء كالبدر المورد على أرض وشتاتة،
وتشطر الرمانة إلى فلقتين ترمي بهما نحو سكة المحراث.
يدعكها للفأل كحس نفساني، وقد لطخ ماء حباتها الثرى، وبلله تبركا برعد واعد وماء منسكب.
لما حضرت مجالسهم علمت أن المرأة كلما توجست طول غياب من تهوى، أخذت من
ورائه تراب موضع النعال و أمرت بزجاجة تضع فيها قبضة التراب المندى ليرجع
إلى المخدع عاجلا بما هو مجرب.
وإذا تعسرت خطوبة البنت المثقلة كشجرة التفاح ذات الأقراط، فإنها تيسر ذلك
الشأن بنشر شعرها الفاحم و تكحيل إحدى عينيها و تحجيل إحدى رجليها. يكون
ذلك عند موقد النخيل ليلا وهي تنادي:
«يا لقاح، أبغي النكاح ، الساعة ، قبل الصباح» فتتعاوى كلاب العشيرة و
تنتفض فحولة الشجعان بين الخيام و لا تبيت إلا صحيحة معافية الخاطر بزوج
من الخلاخيل وعينين مكتحلتين غمضا هانئ النوم.
على ذكر النخلة أرجع لأبين أن لهذه القامة البديعة أليافا كشعر المرأة
الطويل وهامة مستدارة صفراء كهيئة مخ الإنسان و لها عند الطلع رائحة المني
وغلاف كالمشيمة التي يكون فيها المولود عند الوضع لها من ذكران النخيل إلف
تستأنس بمجاورته، إن قطع أو مرض ربما عقمت و لم تحمل عرجونا واحدا أسفا
عليه.
عندها يخرج فلاحها البربري متوعدا هذه العاقر مع حطاب شاهد يعلمه على مسمع
منها بأسلوب تمثيلي غير جاد أنه يريد تبديل المنبت وقطع هذا الجذع بالذات
للتخويف طبعا.
فيشفع لها الصاحب إكراما لحسن أصولها ويعده بأنها ستثمر هذا العام فهي
الولود حين تهب الريح بغبار الطلع و روائحه اللاقحة في مغارس الإناث.
قبائل عديدة تنازعت في بدء فلاحة البربر منهم من رأى أنهم صوروا على
الصخور هياكل الخيول والمحاريث و عجلات جاروش الحصاد. ومنهم من رأى غير
ذلك.
مع أنه معشر يقول: باختلاف عرض البلاد يتبدل المزاج و بانتقال الكواكب
الثابتة في الطول يكتسب الطبع عادات محدثة، لقد جهلوا أنسابهم فحسن
إسلامهم.
من آرائهم أن قلب المغرم لا تنجع فيه نصيحة كما لا ينفع مع البدن السقيم طعام.
حتى ان المحب إذا هام وجدا و أفرط عليه وسواس العشق، تعتمت أعضاؤه بمعنى
انطفأت ومضات جواهره النفسية التي لم تجد قادحا يضيئها في الفراش، عندها
يحملونه على ظهر رجل كما يحمل الصبي، إلى واحة جمل يسنى عليه الماء هناك،
و يكون الراقي طبيب القوم قد أحمى حديدة و كوى بها ردف المحب كيا خفيفا
وبذلك يذهب اختباله و يجعل شجون الحب نسيا منسيا.
تونس القيروان – 2008
حسين القهواجي
I
البربر من عهد الملك جالوت، قافلة تنشد العيش الخصيب و تطوي السباسب طلبا
للغيوم الممطرة، ليست لهم مدائن يسكنونها و لا صوامع يتحصنون بها غير
الجبال و الكثبان و أطراف البلاد. و ربما أسرجوا شمعة كبيرة من شهد مدعوك
بعنبر، و أقاموا تشبها بالعرب، بيتا ينضح في أرجائه الند و العود الهندي
والقماري يلامس بأدخنة نفحاته وجه ربة الإحسان و السعادة – تامفيت -
TAMPHIT.
صنما من طينة مملوءة الساقين وافرة الأرداف، تتعهد البربرية بين يديها أن
لا تأتي حليلها بولد من غيره، وتتوسلها الحامل كيلا تضع مولودها منكسا
تخرج رجلاه قبل رأسه فيشقى .
إذا احتبس عنهم الغيث راحوا يدقون الطبول وإذا غمرهم الفيض هبوا يقرعون
المهاريس في البرية و كلما عزموا على الحرب تقدموا إليها بذبح أرخى سوداء.
عهدا بعد عهد صاروا يقسمون لها سهما من الأنعام و يمدونها بمكاييل من صابة
الحرث و ربما جعلوها دمية للتسلي محمولة على هودج ناقة في حفل إملاك أو
نكاح تزينه بنات رقاق القوام هدباوات الأشفار تقفز الواحدة منهن وتثب ثلاث
أفراس مصفوفة. وأما سيد الساحة فهو سائس شاب (سيغدو بهلوان سرك روماني و
مصارع وحوش يناوشها بالرماح) تراه يخب و يعدو و يمسك بذنب الفرس النفور
فلا تدق سنبك حافر، و إن هي إلا ألعاب يقاسمون بها أشجان العشيرة:
قال ابن شبرمة البربري في رسالة الحسن الفائق و الجمال الرائق:
ما رأيت رداء على رجل أفخم من سماحة و لا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم.
فجاوبته ربابة العرب تماضر:
فأقــسم أنا و البرابــرة إخوة نمانا وهم جــــد كريـــــم المناصب
أبونا أبوهم قيس غيلان في الذرى وفي حرسه يسقي غليل المحارب
وهل أحسن من وصفهم للخلان المؤتلفة قلوبهم بالمراود الحافظة لمكاحيلها.
بعد اجتياز أوعرالمسالك والوقوف على مصطبة «كسرى» المتصلة بالمنحدر قد
تلاقي بين الجلاميد قروية وسط الجبل تتلون ملاءاتها بالخرز و الفضة كتلون
ريش الطاووس أبهرت سامعها بما أبدت من مواويل الترحل وهي تشمس زبيب العنب
على لحاف أبيض جانب الماجل الممتلئ بوجه مشرق صاف، فيما تتربع عجوز القوم
وهي تسوي حافة مقلى القمح وتصوغ من الصلصال مجمرة الكليل الداخن على آنية
اللبن المنكه بأطيب شميم.
يؤثر عن البربر أنهم أجروا الماء في قفار يزرعون به السنبل مرتين كل عام،
زرعوا اللوز الفريك بحبتين تفركه الإصبع من رقة قشره الأخضر.
بملتف من السدر ودغل من الفلين مدوا قناطر خشب الزان في مسالك بولاريجيا –
عين دراهم – جلبوا بلاطات الرخام من مقلع شيمتو و جعلوا حجارة الكذان
عواميد للمعابد.
في مناسجهم سعف يترشق و تعاريج لا تستقيم للعين على طريقة، دليل ترحال، من
نقطة الخط الأول للبساط المرقوم بأنامل ربات المغازل مزججات الحواجب
موشومات الزنود من أثر السهام.
بنوا أبراج الحمام الصنهاجي و أرسلوا الطير بريدا من غدامس إلى تطوان
مسيرة أيام. في صبيحات العرس يضوع من أفرانهم خبز القطاني و اليمام المحمر
يصب عليه سمن مذاب.
تناهى صداقهم في الغلو حتى أخذ الولي مهر ابنته إبلا ينحر منها واحدة لتفرق على أهل المغاور و الغرف المنقورة في الطوب .
وقد يبادرك بالقول إن شئت أزوجك ابنتي بدابة مطهمة و ديباج. هم الأمازيغ و
تعني الأحرار لا عقيدة تلجمهم من قبل هروب الأخت العذراء ديمتريا من دير
الخصيان بروما، و ارتمائها في حضن بربري أغضب القديس جيروم و عيرها أمام
الملإ (سنة 390 ميلادية تقريبا) من سيرافق زفافك غير أصوات تولول باللسان
البونيقي و تودعك سريرك بفاحشة الزغاريد!»
يشاع أنهم أخلاط من ولد كنعان و بقية مأرب ابن سبأ هاجروا من جنوب الجزيرة
نحو شطوط الشام و ساقهم إلى ديار المغرب ملك اليمن إفريقش، لإحياء منابت
النخل و غراسة الزيتون، نساؤهم على عرقين بيض مشربات بحمرة و قمحاويات
سمر. جذر لغتهم سامي وهي واحدة من لهجات العرب، يسمون الرجل آركازبمعنى
الركيزة، و تسمى المرأة تامطوث و اللفظة تدل على كائن يطمث و يحيض.
II
وللبربر رضاع غير اللبن به يتآخون و يتوارثون إذ تعمد سيدة القوم إلى مثرد
فخار فيه دقيق الشعير تلثه بالزيت الأخضر وتضعه على ثدييها قدر مضغات،
مستلقية بقميص أحمر مشقوق طرف للتقديس
وطرف للعب المباح، ومن تذوق البسيس صار واحدا من القوم .
حتى أن البنات صرن يتجردن ساعة المقيل، إلا من إكليل ورق الرند الطري،
يستر الخصر، مأخوذات بتقليد الأسلاف للهو و المتعة المتاحة مع الفتيان،
تنضح ناضجة بأدهان الورد، و سواك قشر الجوز الأخضرعلى الشفاه المتقدة.
يأخذون بمناكب بعضهم فوق مفرش صوف تزينه تمرات عرجون وياسمين بري كثير،
يغطي الجسد المطواع على صهيل حصان يملأ ساحة البهو مهابة، فتنبثق رغبة
الإحتماء من شعاع الخنجر في الحائط، بوجه الفتى البربري عليه مسحة من
ملاحة الأهداب و خشونة الطباع.
«ويعلم الراغب في هذا الشأن أي الإماء يصلحن للخدمة و أيهن للمتعة، فيختار
من كل جنس ما يوافق غرضه» للأديب المؤرخ ابن بطلان من رسالة جامعة في فنون
نافعة.
إبان سنوات الفتح كانت غنيمة المسلمين من البربر خيلا لم يروا أحسن منها،
خفاف الأجناب واسعة المناخر بقصبة أنف نحيفة و آذان قصار مع سبائب ذيل
غزير، أشرفها الأشقر المتلون و الأشهب الصبوح لا يرده اللجام عن الركض
بالفارس أردف وراءه الحبيب في مرعى الرياح المائجة.
هذا القوم الذي أسند أمره إلى امرأة حبا في السلالة وتنقية لأعراقها كان
يعمد إلى تخييط الفرس بسلك حتى لا يركبها فحل فيه عيوب يفسد نسلها كما
يندفع إلى تشريد الكسيح والأعرج و الأبتر، لأنهم يلدون أشباها مشوهين. و
لايستقر بالنجع و مضارب الخيامات إلا الأصحاء .
من المراسم التي أوردها الرحالة التيجاني صاحب تحفة العروس و نزهة النفوس،
أن من عوائد البربر الأوائل دفن المرأة في مغارة واسعة و جثمانها غير مسجى
بل هو قائم على صورة الجالسة.
نقشوا وجه ضريحها بحروف – التيفيناغ – عز البنت موصول لا ينقطع مادام والدها يتنفس متربعا.
يزفونها في ملابس مصبغات بزعفران و نيلة و كف يزينها الخضاب أو الحناء التي تطبع الإعتداد بالنفس و تطلق عقدة الخجل.
مع أنها عاطل غير متحلية بعقود و أساور حسب ذائقتهم تغطي محاسن وجهها
الريان من ماء الشباب، هوى بها الحب كالدلو في غيابة بئر موحشة القرارة، و
أسدلوا النقاب على وجناتها و كأنها تجملت لبعل يترقب.
من خلل فج ضيق ناحية تكرونة ، كنت أسائل السائق عن علامات قائمة من القصب
تمنع المسافرين السيرباتجاه ، يوصل إلى متاهة قد تنتهي بصراخ يدحرج المرء
في دهاليز من عهد قيصر و الكاهنة وحسان، أذكر أنني نزلت قرى بربرية شتى ،
وقدمت على خشبات مسارحها الحديثة تمثيليات جولة الخريف التي تدوم مدتها
السعيدة سبعة أيام، لا أرى فيها يوما إلا وهو أحب إلي من الذي قبله.
أدركتهم و رأيتهم في حقول غمراسن كيف يحفنون الدقيق و يلقونه من قبضات
أكفهم ذرورا على ظهر الثور الموصوف بالإجهاد كواحد من العشيرة .
حتى إذا ما ضاجع و اضطجع، تمرغ في النعمة مطمئنا.
و على هذا المنوال تخرج أبهى بنت حمراء كالبدر المورد على أرض وشتاتة،
وتشطر الرمانة إلى فلقتين ترمي بهما نحو سكة المحراث.
يدعكها للفأل كحس نفساني، وقد لطخ ماء حباتها الثرى، وبلله تبركا برعد واعد وماء منسكب.
لما حضرت مجالسهم علمت أن المرأة كلما توجست طول غياب من تهوى، أخذت من
ورائه تراب موضع النعال و أمرت بزجاجة تضع فيها قبضة التراب المندى ليرجع
إلى المخدع عاجلا بما هو مجرب.
وإذا تعسرت خطوبة البنت المثقلة كشجرة التفاح ذات الأقراط، فإنها تيسر ذلك
الشأن بنشر شعرها الفاحم و تكحيل إحدى عينيها و تحجيل إحدى رجليها. يكون
ذلك عند موقد النخيل ليلا وهي تنادي:
«يا لقاح، أبغي النكاح ، الساعة ، قبل الصباح» فتتعاوى كلاب العشيرة و
تنتفض فحولة الشجعان بين الخيام و لا تبيت إلا صحيحة معافية الخاطر بزوج
من الخلاخيل وعينين مكتحلتين غمضا هانئ النوم.
على ذكر النخلة أرجع لأبين أن لهذه القامة البديعة أليافا كشعر المرأة
الطويل وهامة مستدارة صفراء كهيئة مخ الإنسان و لها عند الطلع رائحة المني
وغلاف كالمشيمة التي يكون فيها المولود عند الوضع لها من ذكران النخيل إلف
تستأنس بمجاورته، إن قطع أو مرض ربما عقمت و لم تحمل عرجونا واحدا أسفا
عليه.
عندها يخرج فلاحها البربري متوعدا هذه العاقر مع حطاب شاهد يعلمه على مسمع
منها بأسلوب تمثيلي غير جاد أنه يريد تبديل المنبت وقطع هذا الجذع بالذات
للتخويف طبعا.
فيشفع لها الصاحب إكراما لحسن أصولها ويعده بأنها ستثمر هذا العام فهي
الولود حين تهب الريح بغبار الطلع و روائحه اللاقحة في مغارس الإناث.
قبائل عديدة تنازعت في بدء فلاحة البربر منهم من رأى أنهم صوروا على
الصخور هياكل الخيول والمحاريث و عجلات جاروش الحصاد. ومنهم من رأى غير
ذلك.
مع أنه معشر يقول: باختلاف عرض البلاد يتبدل المزاج و بانتقال الكواكب
الثابتة في الطول يكتسب الطبع عادات محدثة، لقد جهلوا أنسابهم فحسن
إسلامهم.
من آرائهم أن قلب المغرم لا تنجع فيه نصيحة كما لا ينفع مع البدن السقيم طعام.
حتى ان المحب إذا هام وجدا و أفرط عليه وسواس العشق، تعتمت أعضاؤه بمعنى
انطفأت ومضات جواهره النفسية التي لم تجد قادحا يضيئها في الفراش، عندها
يحملونه على ظهر رجل كما يحمل الصبي، إلى واحة جمل يسنى عليه الماء هناك،
و يكون الراقي طبيب القوم قد أحمى حديدة و كوى بها ردف المحب كيا خفيفا
وبذلك يذهب اختباله و يجعل شجون الحب نسيا منسيا.
تونس القيروان – 2008
leila- عدد الرسائل : 81
السٌّمعَة : 6
نقاط : 59
تاريخ التسجيل : 17/10/2007
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى