مقال منقول عن موقع: الفنان العراقي
الكاتب: صارم الموسوي
__________________

يرى جانب من المثقفين والفنانين او من فئات اجتماعية اخرى بضرورة الحفاظ على الهوية القومية للعمل الفني وعدم الاقتباس او الاستفادة والاستيحاء من اعمال من فنية من بلدان اخرى ، بينما يرى جانب آخر منهم بأن الفن بل والابداع الانساني عموما بكل صورة وكافة اتجاهاته هو هوية عالمية يصب في الحضارة الانسانية الكونية والتي يحق لكل فرد في هذا الكون الاستفادة منها وهي ليست حكرا لأحد ولايجب ان تقولب في اطار معين او ان يوضع لها حدودا وهويات مصطنعة وهذا ما اؤمن انا به ايضا .. ان التمازج والتلاقح بين مختلف الحضارات وكل انماط الابداع الانساني هي لمصلحة واغناء تلك الحضارة الانسانية الكونية بما يمكن لكل فرد او مجموعة الاستفادة من تلك التجارب وتطويرها ورفدها بالتالي بالمزيد والجديد فكما في الكيمياء مزج عدة عناصر يولد عناصر ومركبات جديدة لم تكن موجودة حتى في الطبيعة ويتم احيانا الوصول الى نتائج مذهلة ( بحسب العناصر وطريقة المزج طبعا ) ، وهنالك مثل الماني مهم يقول : تعلم ولو من عدوك .... صحيح ان هنالك من المحافظين في كل مكان تقريبا على وجه هذه الارض وصحيح ايضا وجود كتاب هتنغتون صدام الحضارات وكذلك الخطاب الاصولي الاسلامي المتشدد ضد الآخر وضد الغرب بالدرجة الاولى هذا عدا عن الحركات الشوفينية والنظريات الفاشية التي لايكاد بلد يخلو منها ومختلف دعوات الانغلاق او على الاقل الحفاظ على الهوية القومية او الدينية لبلد ما، طائفة ما، مجموعة ما، لكن الذي يخدم التقدم والابداع حقيقة هو الاطلاع والتواصل بين مختلف صنوف الابداع الفكري والفني والادبي مع الاخذ بنظر الاعتبار اعطاء العمل الفني المقتبس الظروف والملامح المحلية لبيئة المكان الذي يراد فيه الاقتباس من العمل الاصلي ( ولو ان ذلك ليس شرطا دائما ) فمسرحية نساء لوركا مثلا للمخرجة العراقية عواطف نعيم جسدت ذلك خير تجسيد وهي القصة المستوحاة من الاديب فدريكو غارسيا لوركا * واعطتها روحا ونكهة عراقية يمكن ان تنطبق على اي من النساء العراقيات وما يتعرضن له من عنف وقتل وتهجير واغتصاب حيث ان العمل الاصلي هو بمثابة صرخة نسائية ضد الظلم الموجه ضد المرأة، كما ابدع المخرج المسرحي العراقي عوني كرومي في اقتباس مسرحية الانسان الطيب لبرتولد بريشت * والتي هي اساسا تطرح قضايا لاهوية لها ممكن ان تحدث في اي زمان ومكان وهي قديمة قدم الازل عن مفهومي الخير والشر، والاستغلال وكيف انه بعض الحالات فأن بائعة هوى برغم نظرة المجتمع لها ممكن ان يكون لديها ضمير ورحمة وحب المساعدة مما قد لايتواجد عند بعض من يعتبرون نزيهي الذمة وذو اخلاق ومن ( اشراف القوم ) بينما هم حقيقة تراهم معدومي الضمير جشعين مستغلين ( بكسر الغين ) لايهمهم ان يدوسوا اي احد امامهم من اجل مصالحهم .... هناك العديد من الاعمال العالمية والتي تعتبر ارثا مهما رفد الحضارة البشرية بمفاهيمها وقيمها كقصة الحرب والسلام لتولستوي * والتي انتجت فيما بعد كفيلمين ومسلسل والتي احداثها حربية - اجتماعية تدور حول فترة الحرب الروسية الفرنسية ابان محاولة القائد الفرنسي نابوليون اجتياح روسيا والتي احداثها ايضا ممكنة الحدوث في اي زمان ومكان وما يرافقها من مشاعر الدفاع عن الوطن والحياة اليومية والاجتماعية للمجتمع الروسي وتأثرها بتلك الحرب بكل ويلاتها واختلاجاتها ومشاعر النصر والحزن والحماس والالم وفقدان اعزاء لم يعود لهم وجود بيننا .. اشير هنا ايضا الى المسلسل السوري رسائل الحب والحرب والذي وصل الى مصاف العالمية باخراجه وتأليفه وتمثيله وتصويره والموسيقى التصويرية له( اخراج باسل الخطيب ، تاليف ريم حنا ، ادارة التصوير وليد كمال الدين ) وتناول المسلسل ايضا الجانبين الحربي والاجتماعي كمسلسل الحرب والسلام ( لكني لااشير هنا الى اي اقتباس او اي شيء من هذا القبيل ) ، وقصة البؤساء لفيكتور هيغو * وهي من روائع الادب العالمي وتتحدث عن الفقر والظلم والحرب والطفولة المفقودة وقد اقتبست مصريا وقام ببطولة الفيلم الفنان فريد شوقي ....
كما يحفل الادب العالمي بأعمال اخرى والتي ترجمت الى العديد من اللغات ومثلت في العديد من البلدان كأعمال المؤلف تشيخوف * ، الاخوتان اميلي برونتي * وشارلوت برونتي * ، تشارلز ديكنز * ، شكسبير *، ارنست همنغواي *، صموئيل بيكيت *، المخرج فيليني * ، المخرج ايليا كازان *....
وكما في الدراما في الموسيقى والرسم والنحت ايضا تشكل جميعها ثروة ابداعية ملك للجميع من موسيقى بحيرة البجع للموسيقار تشايكوفسكي * الى سمفونيات الموسيقار بيتهوفن * ، ومن ابرز من جدد في الموسيقى العربية الموسيقار فريد الاطرش بأدخاله جمل موسيقية غربية ولاتينية الى الموسيقى العربية ، ومن اهم تجارب التجديد كذلك تجربة الرحابنة مع فيروز ذات الصوت الملائكي والتي تعد موسيقاهم نوعا جديدا وفريدا قل شبيهه اذا لم يكن معدوما .. اما في الرسم فمن لايذكر الرسام الاسباني الشهير سلفادور دالي* السريالي والمدارس الفنية في النحت والرسم من الانطباعية * ، والتكعيبية * ، والسريالية * وغيرها من المدراس والتوجهات الفكرية ....
لقد تأثر تأريخ الفكر والفن كثيرا لمختلف شعوب الارض ببعضه البعض واضاف الواحد للآخر الكثير مما اغنى التجربة وطور خيال الانسان ووسائل الابتكار والخلق والابداع وهو المسار الطبيعي لهذه المسيرة مسيرة الانسان ....